صرحت وزيرة العدل الاسرائيلية تسيبي ليفنه في سياق مقابلتها مع ممثلي الصحافة المحلية والاجنبية في اطار الاستعدادات للانتخابات المقبلة ان اسرائيل غير مسؤوله بتاتاً عن قضية اللاجئين الفلسطنيين وانه يترتب على الدول الغربية تحمل مسؤوليتهم لحل هذه القضية. هذا الموقف الاسرائيلي ليس جديداً بل أصبح بمثابة مسلمة تاريخية اسرائيلية تُجمع عليها كافة ألوان الطيف السياسي الصهيوني منذ اقامة اسرائيل وحتى الآن. مع ذلك, ان قضية اللاجئين كانت وما زالت حجر الاساس للقضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها في أي مداولة حول إيجاد حلول لهذه القضية الشائكه. في هذه الايام, وحيث تقوم القوى السياسية الفاعلة على الساحة اللبنانية, باجراء حوار وطني لبناني تطل قضية اللاجئين وتطرح نفسها كقضية اساس لما لهذه القضية من اسقاطات على الوضع السياسي الداخلي وليس سراً ان اسرائيل وامريكا تسعيان من خلال حلفائهما اللبنانيين الى اعفاء اسرائيل من أي تبعات تترتب عن ايجاد حلول لقضية التواجد الفلسطيني في لبنان, إما من خلال توطين جزء من الفلسطينيين في لبنان أو من خلال مشاريع تهجير الى منافٍ جديدة كالعراق مثلاً.
في الواقع أن طرح أي مناقشة لمسؤولية اسرائيل في خلق قضية اللاجئين قد يوحي بشكوك وتردد حول مسؤولياتها مع أنها بمثابة مُسّلمّه تاريخية, سيما وان قضية في هكذا وضوح تتكلم عن نفسها وتشير باصابع الاتهام والاثبات لمسؤولية اسرائيل السياسية والقانونية والاخلاقية لحالة التشرد واللجوء والتمزق الاجتماعي الذي لحق بالغالبية العظمى لشعب فلسطين أبان حرب 48 وعلى مدار 58 عام مضت.
يكاد المرء لا يجد فلسطينياً واحداً في شتى أرجاء المعمورة غير منكوب أو متضرر جراء تشريد الشعب الفلسطيني عام 48 واقتلاعه من أرضه وبلاده ومحيطه الاجتماعي واقامة كيان مجتمعي وسياسي جديد على أنقاضه. لن تكتف اسرائيل بابعاد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني خارج وطنه واحتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية بل بادرت الى حروب جديدة خلال سنين كيانها, ونجحت في كثير من الأحيان, في ايجاد مناخ تشريد ولجوء سواءً كان ذلك في حرب 56 واحتلالها لقطاع غزة او في حرب 67 حيث أدت الى لجوء زهاء 162,500 من اللاجئين في الضفة الغربية ونحو 15,000 من قطاع غزة الى الأردن اضافة الى 240,000 من فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة غير اللاجئين حيث كان هذا لجوئهم الأول.
كما وتفيد الاحصائيات الى لجوء زهاء 16000 فلسطيني من أصل 132,000 لاجئ من سكان هضبة الجولان عند احتلالها خلال حرب 67. أما في لبنان فان اندلاع الحرب الأهلية أدى الى نزوح جماعي لاعداد كثير من الفلسطينيين بعضهم تهجر داخل لبنان والآخر خارج المنطقة الى أوروبا. أما في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد بادرت اسرائيل خلال حربها المستمر ضد الشعب الفلسطيني الى عمليات هدم وتشريد للكثير من مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة والقرى والأحياء الفلسطينية مما أدى الى عمليات لجوء داخلية لعشرات آلالاف من سكان المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية.
مع ذلك, وبما ان سؤال مسؤولية اسرائيل عن خلق قضية اللاجئين مطروحاً, فما علينا الا وان نحاول الاجابة عليه بوضوح وضمن عملية ترسيم لبعض العناصر المفصلية في فهم قضية اللاجئين واسقاطاتها على القضية الفلسطينية. علينا أن نسأل من هم اللاجئون, وعلى من يسري هذا المصطلح, ما هي الحقوق ذات الصلة المتعلقة باللاجئين وما هي أحقيتهم في الحصول عليها, وما هي دفوع اسرائيل حول بلاد قضية اللاجئين وما هو المطلوب منا كفلسطينيين.
من هم اللاجئون وعلى من يسري هذا المصطلح: لقد انتبه المفكر الهولندي لكس تاكنبرغ في كتابه "وضع اللاجئين الفلسطيني في القانون الدولي" على حقيقتين في غاية الأهمية: أولاً: ندرة الكتابات القانونية التي تعنى بشكل خاص بموضوع اللاجئين الفلسطينيين.
وثانياً: استثناء اللاجئين الفلسطينيين الذن يتلقون مساعدات الاونروا من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وكما يقول تاكنبرج: "لهذا السبب ولكون الدول التي تعمل فيها الاونروا ليست من موقعي اتفاقية 1951 (ما عدا اسرائيل) حُرِم اللاجئون الفلسطينيون المسجلون لدى الاونروا والقاطنون في منطقة عملياتها, الحماية الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقية والحماية الدولية الموسعة التي توفرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
يتحدث الفلسطينيون أن عدد اللاجئين الذين لجأوا من فلسطين عام 48 ما بين ال 900,000 والمليون لاجئ أما سجلات الاونروا فقد شملت 960,000 لاجئ مسجلين لديها بينما تفيد بعثة المسح الاقتصادي التابعة للأم المتحدة الى 726,000. أما اسرائيل فتشير في العلن الى نجو 520,000 وبحلول العام 1995 ارتفع عدد اللاجئين المسجلين لدى الاونروا, الى 3.2 مليون نسمة من مجموع الفلسطينيين في العالم والبالغ 6.9 مليون نسمة.
تدعي اسرائيل أنها غير مسؤولة قانونياً وتاريخياً عن ميلاد قضية اللاجئين لان الفلسطينيين استجابوا الى قادتهم والى أوامر بثتها الاذاعات العربية بضرورة الرحيل عن فلسطين, فيما كان بعض المسؤولين اليهود يلحون عليهم في البقاء.
ان ادعاء اسرائيل بوجود قرار عربي بالرحيل عارٍ عن الصحه وقد تم تفنيده ودحضه من قبل المؤرخ الايرلندي ارسكابن.ب. شايلدرز. لقد افترى الزعماء الصهاينه هذه الفرية لتضليل الرأي العام من اجل اعفاء اسرائيل من مسؤوليتها حيال قضية الطرد الجماعية للفلسطينيين وميلاد قضية اللاجئين .لقد اكتشف هذا الباحث أن الزعيم الصهيوني لا أساس له وذلك بعد سماعه الى جميع برامج الاذاعات العربية في تلك الفترة التي قامت منصتات البي, بي, سي ووكالة الانباء المركزية الأمريكية الخاصة بتسجيل ما اذيع في اللغات العربية والعبرية والانكليزية من فلسطين والبلاد المجاورة في عامي 1947 و1948 وقد سجلت هذه الاذاعات يومياً في قبرص.
يخلص الباحث الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين" الى خلاصة مفادها ان مشكلة اللاجئين خُلِقت عمداً وبسبق اصرار وتصميم ويبين من خلال بحثه ان زعامة اليشوف خططت لِ "الترحيل" وانتهجت سياسة ترحيل غير معلنة بين سنتين 1937 و- 1948والتي دخلت حيز التنفيذ أبان حرب 1948. كما يشير الى حقيقة تأليف لجان ترحيل خلال حرب 1948 من جانب المجموعات اليهودية للمساعدة على تسهيل الهجرة الجماعية. والى جانب ذلك نشر بيني موريس في كتابة "ميلاد قضية اللاجئين الفلسطينيين 1947- 1949" استناداً الى الارشيفات الصهيونية حقائق دامغة حول المجار وعمليات الطرد الجماعية ابتداءً من شهر كانون أول 1948, والى الخطط التي وضعت لاستحالة عودة اللاجئين ومنها هدم القرى المهجورة والاعلان عن المناطق العسكرية المغلقة, واقامة المستوطنات الجديدة على أنقاض القرى المهجرة واستيعاب عشرات الاف من المهاجرين الجدد.