رسالة الي ابي

موضوع: رسالة الي ابي الخميس فبراير 19, 2009 5:26 am

رسالة كنت أرسلتها لوالدي منذ فترة اقتطعت منها ما يصلح للنشر الذي أرجو من ورائه أن تعمّ الفائدة واحترت أأضعها كورقة أدبية أم في الأسرة المسلمة وطمعي بأن يقرأها أكبر عدد من النجوم جعلني أضعها على المنتديين ..جعلكم الله قرة عين لوالديكم وجعل من ذرياتكم قرة عين لكم
بسم الله الرحمن الرحيم

والدي الحبييب , أمي الحبيبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تلقيت عدة رسائل منك يا والدي وفيها ما أستطيع وصفه تأنيباً للنفس أو ندما على ما فات أو حزناً على ابتعادنا عنك وبأنك لم تؤمن لنا مستقبلاً أفضل , ولكنني كنت قد تعلمت في بيتنا الذي ربيتنا فيه وأمي أن الأمور بيد الله وحده يدبرها ويصرفها كيف يشاء لا معقب لحكمه جل جلاله وبأن (( الله بالغ أمره )) في كل ما يشاء , وبأن الأقدار تسيرنا لأجل مسمى (( ليقضي الله أمراً كان مفعولا )) وبأن لو تفتح للشيطان باباً يدخل منه إلى عالمنا , وما علمتمونا إياه جعلني أسد في وجه الشيطان كل باب يحاول أن يلج منه إلى عالمي الصغير .

لا تظنن يا أغلى أب أبداً ولا للحظة أو مقدار ردة طرف أنني أحسست أو خطر في بالي شيء مما تحس أو مما ظننت بأنك تظن , وإني والله لا أتخيل أبداً حياة أفضل لي في دنياي وآخرتي أفضل مما حييت .
إن الغربة يا والدي الحبيب إن توفر معها إيمان رادع ووعي وإدراك لما يدور حول المرء من أحداث أحلى تجربة يمر بها شاب في بدايات حياته فلا أهل يرتكز عليهم في انطلاقه ولا نسيج اجتماعي يمده بالعلاقات مع محيطه إلا ما يغزله بيديه ولا قوة إلا ما بناها بأعصابه وجهده فيكون بذلك ما صنعه لا ما صُنع له ..

لم أعرف قيمة المال إلا عندما احتجته فلم أجده (ولو نصحتني أحنّ الأمهات ألف مرة ) ولا غلاوة الأهل إلا عندما ابتعدت عنهم ولا معنى الوطن إلا عندما رحلت عنه , علمتني الأيام التي مضت أن طريق الفرج ضيق على من سار فيه دون عون الله وباب اليسر عسير فتحه لمن توهم أن المفتاح بيده لا بيد مولاه , علمتني الوحدة أن أناجي الله وأن أشكره على نعمه وأن أطلب منه وحده كل ما أريد لأني أيقنت بأنه سميع مجيب ولأني رأيت بأن عطاءه دوماً يأتي من حيث لا أحتسب .

وتعلمت أيضاً أن البلاء مادة هذه الحياة الدنيا وخبزها اليومي ومقدر علينا أن نأكل من هذا الخبز وأن نهضمه ونستخلص منه أفضل ما بوسعنا.

وتعلمت أيضاً أن المحن تصقل الرجال وتزيدهم صلابة وبأن ما يمر بنا من أحداث قد يأخذ جزءاً من قلوبنا ولكنه يزيدنا حكمة في مرات قادمة .
واستفدت من تجاربي يا والدي الحبيب وبدلت الكثير من طباعي التي تضر أكثر مما تنفع فأبدلت السذاجة بالكياسة والإسراف بالإنفاق الحسن وأبدلت الغضب بالحلم والتسرع بالتأني واللهو بالجد ..

لست يا أبي في موضع _ ومعاذ الله أن أكون _ أستطيع أن أفكر فيه للحظة بأنك قصرت فيه اتجاهنا أنا وإخوتي وأننا نملك أن نسامحك فما نحن إلا بضعة منك ونحن ومالنا وما هو لنا فهو لك , ولا نستطيع ما حيينا أن نرد ولو قليلا مما آثرتنا به عن نفسك , ولا نطلب منك سوى أن ترضى علينا ولا نأمل إلا أن نكون عند حسن ظنك بنا ..

هذا غيض من فيض وإن شاء الله نلتقي عما قريب ويكون بيننا كلام كثير

وفي الختام أقبل أياديكما الطاهرة ياأبي ويا أمي داعياً ربي أن يجمع شمل أسرتنا في جناته إنه سميع لمن يدعوه مجيب

ولدكم
عماد الدين

منقول

» لما صمت الكبار تحدث الصغار